في عالمٍ مليء بالأسرار والخيال، تتحول أميرة إلى سمكة بسبب لعنة شريرة، لتبدأ رحلة خطيرة في أعماق البحر… حتى يظهر فلاح بسيط يغيّر قدرها بالكامل.
في قديم الزمان، في مملكة بعيدة تُدعى مملكة النور، كانت هناك أميرة صغيرة تُدعى أيلارا. لم تكن أيلارا كسائر الأميرات؛ فهي لم تحب الثياب الفاخرة ولا المجوهرات الثقيلة، بل كانت عاشقة للطبيعة، تركض خلف الفراشات، وتغني للعصافير، وتجمع الأطفال لتقصّ عليهم الحكايات.
كانت كل أركان المملكة تحبها، ولم يكن شخص واحد فيها يحمل لها غير الود، إلا ساحرة شريرة اسمها مارغونا، اشتهرت بالحسد وكره النور، واحتفظت بقلب مظلم لا يعرف الرحمة.
كانت مارغونا ترى أن الأميرة الصغيرة تزداد جمالًا ومحبة بين الناس يومًا بعد يوم، فتغلي بداخلها نار الغيرة. وكانت تقول لنفسها دائمًا:
"لا يجب أن تبقى تلك الفتاة محبوبة أكثر مني… سأجعلها عبرة للجميع!"
العيد الكبير
في يوم من الأيام، أعلنت المملكة احتفالًا ضخمًا بمناسبة مرور ثلاثمائة عام على تأسيسها. تزينت الطرقات بالأقمشة الملونة، ورُفعت الأعلام فوق القصور، وامتلأ الهواء بروائح الحلوى التي كان يصنعها الناس احتفالًا.
وكانت الأميرة أيلارا هي نجمة الاحتفال، فقد اختارت هذا العام أن تحتفل بين الناس، بعيدًا عن القصور، لتشارك الأطفال الألعاب وتستمع إلى قصص العجائز وتوزّع الهدايا على الأسر الفقيرة.
أما مارغونا، فلم تُدعَ إلى الاحتفال، لأنها طردت من القصر منذ سنوات بسبب شرورها. لكن ذلك لم يمنعها من التسلل بين الحشود متنكرة بثياب امرأة مسكينة.
كانت عينيها تراقبان الأميرة بعناية، تترصد اللحظة المناسبة لتنفذ خطتها.
الهجوم القبيح
عندما حلّ المساء، قررت الأميرة أن تتجول وحدها قليلًا قرب البحيرة الهادئة خارج أسوار القصر. كانت المياه تعكس نور القمر، فبدت البحيرة كقطعة من الفضة السائلة.
وبينما كانت الأميرة تغني بصوت رقيق، خرجت الساحرة مارغونا من بين الأشجار، وضربت الأرض بعصاها، فانطلقت شرارة خضراء داكنة أحاطت بالأميرة فجأة.
صرخت أيلارا، ولكن الصوت لم يخرج من فمها، فقد كانت الصدمة أكبر من قدرتها على الكلام.
قالت مارغونا بصوت بارد:
"ستكونين عبرة لكل من يظن أن النور ينتصر! من الآن فصاعدًا… ستكونين سمكة تتخبطين في البحار!"
ثم لوحت بعصاها، فبدأ جسد الأميرة يلمع، ثم ينكمش، ثم يتحول تدريجيًا إلى جسد سمكة ذهبية لها زعانف شفافة كأجنحة الفراشات.
حاولت أيلارا المقاومة، لكنها كانت صغيرة وضعيفة أمام السحر الأسود.
التقطت مارغونا السمكة الصغيرة بين يدَيها، واتجهت نحو الشاطئ، ثم ألقتها في البحر الواسع، وهي تقول متهكمة:
"لن يراك أحد بعد اليوم… لا وداع ولا إنقاذ!"
وغادرت الساحرة وهي تضحك، بينما كانت الأميرة تتقلب في الأمواج، خائفة لا تعرف ماذا تفعل ولا إلى أين تسبح.
رحلة في بحر مجهول
لم تكن الأميرة قد سبحت من قبل، لكنها وجدت نفسها مضطرة لتتعلم بسرعة. صارت تتحرك بزعانفها الصغيرة، ولكن كل موجة كانت تبدو لها كجبل ضخم يريد ابتلاعها.
الأسماك حولها كانت تقترب ثم تبتعد بدهشة، فشكلها لم يكن طبيعيًا. كانت تتلألأ كالذهب، وتضيء الماء حولها، كأن داخلها شمعة مضيئة.
مرت ساعات طويلة قبل أن تستوعب ما حدث بالكامل. أدركت أنها مسحورة، وأنها بعيدة عن بيتها وأهلها وشعبها. حاولت أن تصرخ أو تبكي، لكنها لم تستطع سوى إصدار فقاعات صغيرة صامتة.
بدأت الأميرة تشعر بالتعب، فاستسلمت وسبحت باتجاه الأعماق بحثًا عن مكان آمن تختبئ فيه. لكن الأعماق كانت مظلمة، مخيفة، مليئة بالكائنات الكبيرة التي تتحرك حولها بصمت غامض.
تحاشت الأميرة الظلام وقررت العودة إلى السطح، علّها تجد سفينة أو من ينقذها.
وفي أثناء سباحتها قرب الصخور، سقط عليها ظل ضخم… ظل قرش كبير يقترب ببطء شديد.
ارتعبت الأميرة، وبدأت تسبح بأقصى ما تستطيع، لكن القرش كان أسرع بكثير.
وبينما كان على وشك الإمساك بها…
حدث شيء غريب.
انشق الماء عن شبكة سميكة انطلقت فجأة من أعلى أحد القوارب الصغيرة، فالتفت حول القرش وجعلته يتخبط بعيدًا عن الأميرة.
أما القارب، فقد اقترب شيئًا فشيئًا من الأميرة الصغيرة، حتى ظهرت يد قوية التقطتها بلطف ورفعتها خارج الماء.
الفلاح الغلبان
كان صاحب القارب شابًا بسيطًا يُدعى ريان، فلاح يعمل في الحقول صباحًا، وفي الصيد ليلًا ليكسب لقمة عيشه.
كان فقيرًا، لكنه طيب القلب، لا يعرف من الدنيا إلا البساطة والرضا.
نظر ريان إلى السمكة الذهبية بين يديه بدهشة وقال:
"سبحان الله… ما رأيت سمكة بهذا الجمال قط!"
وضمها إلى صدره بحنان، كأنها كنز يخاف أن يسقط منه. لم يكن يعلم أنها أميرة مسحورة أو أن القدر اختار له دورًا عظيمًا.
أخذ ريان السمكة إلى منزله المتواضع عند أطراف الغابة. وضعها في وعاء كبير من الماء، وراح يحدثها كأنها إنسان:
"لا تقلقي يا صغيرة… سأعتني بك حتى لا يؤذيك شيء."
وصلت كلمات الشاب إلى قلب الأميرة المسكينة، التي لم تسمع منذ يوم كامل أي صوت طيب أو حنون.
حياة جديدة في كوخ بسيط
كان منزل ريان كوخًا صغيرًا سقفه من الخشب وجدرانه من الطين. ورغم بساطته، كان المكان دافئًا ومليئًا بالطمأنينة.
اعتنى ريان بالسمكة كما لو كانت كنزًا، يجلب لها الماء النقي كل صباح، ويضع بجوارها النباتات المائية الملونة، ويحكي لها قصصه في العمل، وعن أحلامه الصغيرة.
ورغم أنها سمكة، كانت الأميرة تستمع إليه بشغف. كانت تشعر بالأمان لأول مرة منذ سقوطها في البحر.
ومع مرور الأيام، بدأت الأميرة تلمع كلما اقترب ريان منها، وكأن قلبها يريد أن يشكره بطريقة لا تستطيع التعبير بها.
أما ريان، فكان يشعر بشيء غريب تجاه تلك السمكة الذهبية، وكأنها تفهمه، وكأنها ليست مجرد مخلوق صغير من البحر.
ليلة القمر المكتمل
في إحدى الليالي، لاحظ ريان أن السمكة تتحرك بقلق شديد داخل الماء. كانت الأميرة تشعر أن شيئًا ما يقترب…
وفعلاً، ظهر ضوء أخضر غريب عند مدخل الكوخ. دخلت الساحرة مارغونا غاضبة، تصرخ:
"سمكتي الذهبية! كيف جرؤت على أخذ ما هو لي؟!"
وقف ريان أمام الوعاء، وحاول حماية السمكة، لا يعرف من تكون تلك المرأة ولا ماذا تريد.
لوحت مارغونا بعصاها وقالت:
"هذه ليست سمكة… إنها الأميرة التي حولتها! والآن سأستعيدها وأجعلك طعامًا للغربان!"
رفع ريان ذراعيه وقال بشجاعة:
"لن أسمح لك بإيذاء مخلوق بريء!"
ضحكت الساحرة وسلطت سحرها عليه، لكن السمكة الذهبية انطلقت من الماء فجأة، ووقفت بين ريان وبين الساحرة، تلمع بشدة حتى ملأ الضوء المكان.
فجأة انشق الهواء، وظهر أمامهم شيخ حكيم يرتدي عباءة بيضاء. كان هو حارس مملكة النور السحري، الذي ظهر لأن قلب الأميرة أطلق نداء الاستغاثة.
قال الحارس بصوت قوي:
"يا مارغونا… لقد تجاوزت حدودك. السحر الأسود الذي استخدمته على الأميرة ينتهي الليلة!"
حاولت الساحرة الهجوم، لكن الحارس ضرب الأرض بعصاه، فانطلقت دائرة نور حاصرت مارغونا وجمدتها في مكانها.
ثم التفت إلى السمكة الذهبية وهمس لها:
"حان وقت العودة، أيتها الأميرة."
وتحوّلت السمكة أمام دهشة ريان إلى فتاة جميلة ترتدي فستانًا من النور، شعرها طويل كالحرير، ووجهها يشع طيبة.
وقفت الأميرة أيلارا أمام ريان وقالت بصوتها الحقيقي لأول مرة:
"لقد أنقذت حياتي… ولو لاك لما بقيت على قيد الحياة."
لم يفهم ريان ما يحدث تمامًا، لكنه انحنى احترامًا للأميرة.
العودة إلى المملكة
رافقت الأميرة ريان إلى القصر الملكي بعدما تم القبض على مارغونا وسجنها في أعماق جبال الظلام.
استقبل الملك والملكة ابنتهما بدموع الفرح، وعندما علموا بما فعله ريان، قرروا أن يكافئوه، لكنه رفض الذهب والكنوز وقال:
"أنا لم أفعل سوى ما يمليه عليّ قلبي."
لكن الأميرة كانت ترى فيه شيئًا لا يراه غيرها… رأت قلبًا نقيًا يستحق أن يكون قريبًا منها.
ومع مرور الأيام، أصبح ريان من أصدقاء القصر، وتعلم القراءة والفروسية، وصار من حكماء المملكة، وظل دائمًا بجوار الأميرة التي لم تنسَ يومًا أنه كان أوّل من منحها الأمان.
أما الأميرة، فتعلّمت درسًا كبيرًا: أن القلب الطيب قد يأتي أحيانًا من أماكن لا نتوقعها، وأن البطل الحقيقي ليس بالضرورة فارسًا على حصان… بل قد يكون فلاحًا بسيطًا يحمل روحًا نقية.
وهكذا عاش الجميع في سعادة وسلام، بينما ظلت قصة "الأميرة المسحورة والفلاح الغلبان" تتردد على ألسنة الأطفال جيلاً بعد جيل.

تفضلوا بزيارتنا بانتظام للاستمتاع بقراءة القصص الجديدة والمثيرة، ولا تترددوا في مشاركة تعليقاتكم وآرائكم معنا.