العهد الأخير المؤلم | قصيدة

في لحظة يختلط فيها وجع القلب بنهضة الروح، تولد هذه القصيدة لتكشف صراع العودة بعد خذلانٍ مؤلم، وقرارٍ نهائي يعيد للنفس قيمتها وكرامتها.

العهد الأخير المؤلم

أعدك…
أنني لن أكون كما كنت،
فقد تعبت دروبي من الركض خلف ظلّك،
وتكسّرت في داخلي نوافذ الانتظار،
ولم يعد للصبر صوتٌ يحتمل رجفة غيابك.

أعدك…
سأرجعك غريباً رغم أنك الأقرب،
سأعيدك كما كنت قبل أن تقتحم ليلي،
وتعيد ترتيب خوفي،
وتترك على أبواب روحي بصماتٍ لا تمحى.

كنتُ أراك وطناً صغيراً ينمو في صدري،
وكنتُ أصدق أن الدفء يبدأ من اسمك،
لكنني تعلمت أن الدفء الزائد
قد يتحول ناراً،
يحترق بها من يحب بصدق.

ولن يكون أحدٌ في قلبي من بعدك،
ليس لأنك تستحق البقاء،
بل لأن الخراب الذي تركته خلفك
لا يصلح للسكن،
ولا يليق به أن يضمّ أحداً.

قربك مني كان درساً قاسياً،
علّمني أن لا أندفع نحو الأمان بسرعة،
وأن نبرة اللطف قد تكون خديعة،
وأن الوجه المبتسم
قد يخفي ألف حكاية خذلان.

قربك مني كان يعيد تشكيل ضعفي،
يرفعني كطائرٍ من نور،
ثم يرمي بي في الهواء
كي أتعلم الطيران وحدي
وأتعلم السقوط وحدي أيضاً.

كلفني قلبي الذي أطفأته بعدما كان منيراً بك،
كلفني ليالي طويلة بلا ضوء،
وأياماً تجرّ أنفاسها بصعوبة،
ومشاعر معلّقة لا تجد أرضاً،
وروحاً ترتجف عند كل ذكرى منك.

كنتُ أظن أنني حين أحب،
سأزهر كحديقةٍ في الربيع،
لكنني اكتشفت أن الحب
قد يكون غيمةً ثقيلة،
تمطر فوق رأسك وحدك.

فلم تكن عابراً أو شخصاً عادياً،
كنت مساحةً واسعة من الأمل،
كنت اسماً أحمله كتعويذة،
وخطوةً أمشي بها نحو الغد،
وصوتاً أستند عليه إن تعبت.

كنت مستوطناً قلبي الذي كان رافضاً للحب،
اقتحمته دون إذن،
وبنيت فيه بيتاً من الكلمات،
وكتبت على جدرانه وعداً،
ثم تركته بلا باب.

كيف لك أن تكون الطبيب والجلاد في ذات الوقت؟
كيف استطعت أن تداوي جرحاً
ثم تفتح عشرة غيره؟
كيف صرت دوائي الذي يشفيني حيناً،
ووجعي الذي ينهكني حيناً آخر؟

كنتُ أهرب إليك من كل شيء،
لكنني لم أكن أعلم
أنني كنت أهرب نحو النار،
وأن دفء يدك
كان يخفي شقوق الانطفاء.

نعم لقد أعفيتك مني،
أطلقتك من قلبي كما يحرر طائرٌ جناحه،
وأغلقت الأبواب التي بِتَّ تعرفها،
ومسحت آثار خطواتك من الطرق
التي كنت تسكنها في داخلي.

وسأحاول أن أعفي قلبي من ذلك الحب،
سأحاول أن أقصّ جذورك من نبضي،
وأن أرمّم نفسي بما بقي مني،
وأجمع شتاتي المتناثر
على أرصفة الخيبة.

سأحاول أن أعود كما كنت،
لكنني أعلم أن العودة ليست سهلة،
وأن الجرح الذي يسكنني الآن
ليس خفيفاً كما يدّعي الوقت،
ولا سريع الذوبان.

سأكتب نهاية مختلفة لقصتي،
نهاية لا تكون فيها البطل،
ولا تكون فيها الخاتمة على مقاسك،
سأصنع لنفسي حياة
لا تتكئ على حضورك.

سأمشي بخطى جديدة،
أتعلم فيها أنني كافية،
وأن الحب الذي أبحث عنه
لن يكون طعنة،
ولن يكون قيداً.

أعدك…
أنني لن أعود كما كنت،
سأعود أقوى،
وأوضح،
وأصدق مع نفسي.

أعدك…
أنك لن تراني في صفحاتي القادمة،
ولا في قصائدي المقبلة،
سأكتب عن سماءٍ أخرى
تحررني من وجعك،
وتعيدني إلى ذاتي.

سحر العيون
بواسطة : سحر العيون
أكتب وأعبّر عن أفكاري ومشاعري من خلال القصص والقصائد، أستوحي إلهامي من تفاصيل الحياة والخيال. أكتب لألامس القلوب وأثير التأمل في المعاني الإنسانية. أؤمن بأن الكلمة قوة قادرة على التغيير والإلهام، وأجد في الكتابة عالمي الذي أتنفس فيه الإبداع.
تعليقات



    🅰