صمود القلوب الطيبة في دروب الحياة

قصيدة تحمل حكمة الحياة بين أسطرها، وتكشف جمال القلوب الأصيلة التي تبقى ثابتة مهما قست الظروف. كلمات تنساب برفق وتترك أثراً لا يُمحى.

صمود القلوب الطيبة في دروب الحياة

الناسُ لا تُقاسُ بالمالِ ولا العُمْرِ،
بل تُقاسُ بطيبــةِ القلوبِ،
وبجمالِ الأسلوبِ الذي يُشبهُ نافذةً
تُشرقُ منها الأرواحُ بضياءِ النقاء.
فالإنسانُ، مهما علا شأنُهُ،
يبقى في هذه الحياةِ مثلَ قلمِ رصاصٍ
تُبرِيهِ العثراتُ مرةً بعد أخرى،
ليكتبَ بخطٍّ أجملَ، وأصفى، وأصدق،
حتى يفنى ذلك القلمُ ذات يوم،
فلا يبقى منه إلا جميلُ ما كتب،
وروعةُ ما ترك من أثرٍ
على صفحاتِ من مرّوا به يوماً.

مساءُ الفلِّ والياسمين،
مساءُ النورِ وعطرِ الزهورِ،
مساءٌ يشبهُ الأرواحَ التي تُضيء الطريقَ
ولو كانت محاطةً بالعتمة.
فالحياةُ تمضي بدروسِها وإن قَسَت،
وتستمرُّ بظروفِها وإن أوجعت،
وتتقدّمُ بنا إن نحنُ قبِلنا وتعلّمنا،
وإن تأقلمنا مع ما لا نستطيعُ تغييره،
وإن واجهنا الألمَ بثباتِ من يعرفُ
أن اليأسَ لا يُحرّكُ ساكناً،
وأن الظروفَ لا تُجامِلُ إنساناً
مهما لطُفَتْ في بداياتها.

كم من قلبٍ ظنّ الخريفُ أنه سيُسقِطه،
وكم من روحٍ ظنّت الرياحُ أنها ستقتلعها،
لكن تبقى دائماً بعضُ الأوراقِ أصيلةً،
لا تسقطُ مهما اشتدّت الرياح،
ولا تُغادرُ فروعَها مهما تبدّلت الفصول،
لأن الجذورَ فيها تمسكُ بالأملِ
أشدَّ مما تتمسّكُ الرياحُ بالرحيل.

يا لروعةِ أولئك الذين يَعبُرون حياتَنا
بهدوءٍ يشبهُ مرورَ النسيم،
لكن أثرهم يبقى عميقاً،
يُرمّمُ ما تهشّمَ فينا دون أن نشعر،
ويعيدُ لنا ثقةً كدنا نُفقدها،
ويتركُ في القلبِ عطراً
يُشبهُ صباحاً نَقِيّاً
بعد ليلةٍ مُثقلةٍ بالأسئلة.

نلتقي في دروبِ الحياةِ بأناسٍ كثيرين،
بعضهم يمرُّ خفيفاً كظلٍّ
لا يتركُ وراءهُ سوى فراغٍ بسيط،
وبعضهم يمضي كالعاصفةِ
يُحركُ كلَّ شيءٍ حوله
ثم يختفي دون أن نفهم ما حدث.
لكن القليلَ فقط، القليل جداً،
هم الذين يأتون كآياتٍ كريمة،
تستقرّ في القلبِ بسهولة،
وتُقرأُ مرةً بعد مرة،
ولا يتغيرُ جمالُها مهما طال الزمان.

هناك من يزرعُ فيك راحةً
من كلمةٍ واحدة،
ومن يمنحك طمأنينةً
من نظرةٍ صادقة،
ومن يضعُ على كتفيكَ
أعباءً لم تطلبها،
ويتركُك تمشي مثقلاً
بخطواتٍ تعبت قبل أن تبدأ.
أما الطيّبون،
فالطيّبون يبقون،
مهما تباعدت المسافاتُ
ومهما تغيّرت الطرقُ
ومهما اختلفت الأيام.
يبقى حضورُهم شاهداً
على أن الخيرَ لا يموت،
وأن القلوبَ البيضاء
أقوى من كلِّ المواسمِ الجافة.

أولئك الذين يُدركون معنى الجبر،
يمرّون في حياتِك
كأنهم بلسمٌ للروح،
يرممون الشرخَ بكلمةِ صدق،
ويضمدون الخيبةَ بابتسامة،
ويُخبرونك دون أن يقولوا شيئاً
أن العالمَ ما زال بخير.
فالإنسانُ الجميلُ
لا يحتاجُ إلى ضوءٍ خارجي ليسطع،
بل يكفيهِ قلبٌ نقيٌّ
يجعلُ من وجودِه نوراً
وإن سار وسطَ الظلمات.

الحياةُ تعلمنا دائماً
أن ننهض بعد السقوط،
وأن نبتسم بعد الألم،
وأن نواصل رغم العثرات،
فكلُّ جرحٍ يصنعُ منا شيئاً جديداً،
وكلُّ خيبةٍ تفتحُ باباً آخر،
وكلُّ خطوةٍ صعبةٍ
تمهِّدُ لطريقٍ أجمل.
وما دمنا نحملُ في داخلنا شيئاً
لا يستطيعُ أحدٌ انتزاعه —
الإيمان بأن القادم أفضل—
فنحن بخير،
مهما تغيّرَت الظروفُ
أو ضاقت الأيام.

ويا لَجمالِ النفوسِ التي لا تتلوث،
مهما رآها العالمُ ضعيفة،
ومهما قال عنها البعضُ ساذجة،
ومهما استغلَّ نقاءَها البعضُ الآخر.
فهذه النفوسُ لا تعرفُ
إلا أن تُضيءَ بما فيها،
ولا تتخلى عن فطرتها الجميلة،
ولا تحيدُ عن طريقِ الخير
حتى وإن سار الجميعُ
نحو اتجاهٍ آخر.

فلتستمرَّ الحياةُ،
بدروسِها، وأوجاعِها،
وبأوراقِها التي تسقط،
وتلك التي تبقى أصيلة.
ولتستمرَّ قلوبُنا
في الكتابةِ مثلَ أقلامِ الرصاص،
تجعلُ من كلّ انكسارٍ
نقطةَ بدايةٍ جديدة،
ومن كلِّ تجربةٍ قاسية
خطّاً أجمل مما سبق.
فما يبقى حقاً
هو الأثرُ الذي نزرعه في الآخرين،
وما نتركه من نورٍ
في دروبٍ عبرناها يوماً،
وما يُذكرُ عنّا بعد الرحيل.

سحر العيون
بواسطة : سحر العيون
أكتب وأعبّر عن أفكاري ومشاعري من خلال القصص والقصائد، أستوحي إلهامي من تفاصيل الحياة والخيال. أكتب لألامس القلوب وأثير التأمل في المعاني الإنسانية. أؤمن بأن الكلمة قوة قادرة على التغيير والإلهام، وأجد في الكتابة عالمي الذي أتنفس فيه الإبداع.
تعليقات



    🅰