نحن مثل الكتب | قصيدة

تغوص هذه القصيدة في عالم النفس البشرية، حيث كل إنسان كالكتاب يحمل بداخله حكايات وأحاسيس وتجارب تنتظر من يقرأها بعناية.

نحن مثل الكتب

كلنا كالكتب، نحمل بداخلنا حكايات،
وأوراقنا تموج بالألوان والظلال،
صفحاتنا مليئة بأحاسيس مبعثرة،
تتناثر بين السطور، بين الحروف، بين القلوب،
كأنها رسائل لم تُرسل، أو همسات لم تُسمع.

أفكارنا تسبح في بحر الحياة،
تتقاطع أحيانًا مع نيران الماضي،
وتغوص في عمق الأحلام،
حيث نجد أنفسنا وحيدين،
نسأل: هل سيفهمني أحد؟
أم سيحكم عليّ العالم من الغلاف فقط؟

و يأتي أحدهم ليحكم عليك من غلافك،
يتوقف عند المظاهر، عند الانطباع الأول،
دون أن يكلف نفسه عناء قراءة صفحاتك،
كأنه يريد أن يقرأ العنوان قبل أن يعرف القصة،
وكأنه يريد أن يعرف البحر من مجرد قطرات على الشاطئ.

لو أنّه بدأ فقط في قراءة سطر واحد،
لربما شدته نفحاتك،
واستنشقت روحه رائحة كلماتك،
تاه بين حروفك، وتأسرته جملتك الأولى،
حتى يصبح قلبه مرآة لعواطفك،
ينبض بما ينبض بداخلك.

كم من مرة حاولت أن أشرح نفسي،
لكن الصوت ضاع بين الضوضاء،
والعيون لم تهتم إلا بما يظهر،
والأقنعة أخفت ما كان حقيقيًا،
والأقوال ضاعت بين ألسنة الآخرين،
والكل يمر سريعًا، يقرأ غلافًا،
وينتهي قبل أن يبدأ،
وكأن العالم لا يملك صبرًا لقراءة كتابٍ بعمق.

نحمل أفكارًا وأسرارًا،
ونحمل ذكرياتٍ تترقرق بين السطور،
ونحمل مشاعر تتشابك بين الحقيقة والوهم،
ونحمل أحلامًا صغيرة وكبيرة،
تنتظر من يفتح الصفحات ويقرأها ببطء،
من يربط الكلمات ببعضها،
ويستطيع أن يرى قلبنا في كل حرف.

وكم من القلوب التقت كلماتنا،
فأحبتها بدون معرفة النهاية،
وأحبت العطر قبل الوردة،
والشوق قبل اللقاء،
وأدركت أن كل كتاب له روح،
وأن كل صفحة تحمل حياة لم تُحكى بعد.

نحاول أن نكتب بطريقة يفهمنا بها الآخرون،
لكن في النهاية، لا أحد يقرأ سوى من يقدر على الصبر،
ومن يغامر بأن يتوه بين خطوطنا،
ويبحر في بحر من الحروف والأفكار،
ويعرف أن القراءة ليست مجرد النظر،
بل فهم الإحساس،
وتذوق الأحاسيس المخفية بين الكلمات.

كم مرة سألنا أنفسنا:
لماذا يقف الناس عند الغلاف؟
أين الشغف لفتح الأبواب؟
أين الفضول لقراءة الصفحات؟
أين الحب ليعرف ما وراء الكلمات؟
كلنا كتب لم تُفتح بعد،
وكلنا حكايات تنتظر من يكتشفها.

حتى لو حاولوا الحكم علينا قبل أن يعرفونا،
ستبقى قصصنا حية،
ستظل النفحات تنتشر،
ستظل الكلمات تبحث عن قلبٍ مستعد،
عن عينٍ ترى ما بين السطور،
عن روحٍ تفهم، عن يدٍ تقرأ بدون استعجال.

وأحيانًا، نجد من يستمتع بسطر واحد فقط،
فيصبح العالم كله كأنه صفحة كاملة،
ويصبح اللقاء مع الكلمة كأنه اكتشاف لكون كامل،
ويكتشف أن حكاياتنا ليست مجرد كلمات،
بل نبض حياة،
ونور يخرج من الظلال،
ونغمة موسيقية تعزف على أوتار الروح.

كلنا كالكتب، كلنا أسرار وأحلام،
ونحمل بداخلنا تجارب الحياة،
المرة تلو المرة، والدرس بعد الدرس،
والدمعة تسبق الابتسامة،
والفقد يسبق اللقاء،
والأمل يسبق اليأس،
لكننا نظل نقاوم، نظل نكتب، نظل نعيش.

ومن يعرف القراءة الحقيقية،
سيجد بين صفحاتنا نفحات لم تُروَ بعد،
وسيجد بين الأسطر حياة لم تُعاش بعد،
وسيجد في الحروف أسرارًا تنتظر من يكتشفها،
وسيجد في الكلمات دعوة للحلم،
وفي الأحاسيس مرايا للروح،
وفي التجارب مرشدًا للطريق،
وفي الحب سببًا للعيش،
وفي الحكايات ما يجعلنا نستمر.

كلنا كالكتب،
أحيانًا نُفتح بسهولة،
وأحيانًا يُترك الغلاف مغلقًا،
لكن في النهاية،
الكتاب الحقيقي هو الذي يجد من يقرأه،
ويترك أثره، ويغادر دون أن ينسى،
ويعلم أن كل قصة تستحق أن تُحكى،
وأن كل حكاية تستحق قلبًا يستمع،
وأن كل نفس يحمل كتابًا لم يُقرأ بعد،
وأن كل واحد منا هو كتاب ينتظر من يكتشفه بصدق.

سحر العيون
بواسطة : سحر العيون
أكتب وأعبّر عن أفكاري ومشاعري من خلال القصص والقصائد، أستوحي إلهامي من تفاصيل الحياة والخيال. أكتب لألامس القلوب وأثير التأمل في المعاني الإنسانية. أؤمن بأن الكلمة قوة قادرة على التغيير والإلهام، وأجد في الكتابة عالمي الذي أتنفس فيه الإبداع.
تعليقات



    🅰